السقوط في سحر الأرقام
يقع بعض الباحثين – أحيانا - في مسالة الإعجاز العددي في القرآن تحت تأثير ما يمكن تسميته " بسحر الأرقام " فيختلط عليهم الأمر , فإذا ما صادف رقم هوى في النفس أسرع إلى قبوله وعد ذلك من إعجاز القرآن , ونتيجة لذلك قد يصدر أحكاما في غير مكانها بحسن نية غير متنبه إلى الخلط الذي وقع فيه . وهنا قد يأتي طرف آخر فيستغل النتيجة التي وصل الباحث إليها لأغراض أخرى قد تكون عكس ما يقصده الباحث .
وقد رأيت أن أنبه إلى هذا المزلق الخطر بعد اطلاعي على موضوع : عدد سور القرآن الكريم والرقم 19 / الدكتور عبد الله محمد البلتاجي .
يطرح الكاتب في مقدمة البحث التساؤل : هل للعدد 114 أسرار ؟
وللإجابة على هذا السؤال يقسم سور القرآن إلى ثلاث مجموعات تتكون كل مجموعة من 38 سورة باعتبار : أرقام ترتيب تقبل القسمة على 2 , أرقام ترتيب تقبل القسمة على 3 , أرقام ترتيب لا تقبل القسمة .
وفي نهاية البحث يقول : ولمتابعة شيء من المستحيل لقدرات العقل البشري أن تتبعه وتدركه إلا بتوفيق من الله تعالى نلاحظ :
نجد أن ترتيبات السور التي تقبل القسمة على 2 ولا تقبل القسمة على 3 وعددها 38 سورة .. نجد أن مجموع تراتيب هذه السور = 2166 وهذا المجموع = 19 × 114 .
- ترتيبات السور التي تقبل القسمة على 3 = 2223 وهذا المجموع = 117× 19 .
- إلى أن ينتهي إلى النتيجة : لاحظ أن حاصل جمع تراتيب مجموعات السور الثلاث هو : 6555 وهو يساوي مجموع الأرقام من 1 – 114 ( 2166+2166+2223) .
: لعل الباحث قد نسي أنه يكتب عن الأرقام في العدد 114 وليس عن ترتيب السور , وبالتالي فلا شيء مما ذكر هنا له علاقة بإعجاز القرآن في ترتيب سوره , بدليل لو أننا قمنا بتغيير كل مواقع سور القرآن فالنتائج والإحصاءات التي وصل الباحث إليها لن تتغير , والمعنى أنه ليس فيها دليل على إعجاز ترتيب سور القرآن . أن نحصل على ثلاث مجموعات من الأرقام تتألف كل مجموعة من 38 عددا فهذا أمر طبيعي موجود في العدد 114 سواء استخدم في القرآن أو في غيره , وأن يأتي مجموع الأرقام في المجموعات الثلاث من مضاعفات العدد 19 أو العدد 114 فهذه علاقة موجودة في العدد بغض النظر عن ترتيب السور , فسواء أكانت سورة الفاتحة رقم 1 أو 2 أو 3 أو 5 أو أي رقم آخر فالعلاقات التي تحدث أو انتهى إليها الباحث لن تتغير , وبالتالي لا يصلح القول إن ترتيب مجموعة السور الأولى أو الثانية أو الثالثة من إعجاز القرآن ( هو معجز ولكن ليس للأسباب التي ذكرها الباحث ) ..
ولمزيد من التوضيح : لو أخذنا الأرقام الثلاثة الأولى في العدد 114 ( 1و2و3 )والأرقام الثلاثة الأخيرة : 114 و 113 و 112 , ثم كررنا العملية ,فان مجموع كل عددين = 115 ومجموع كل ستة أعداد = 345 , وسنحصل في النهاية على 3 مجموعات تتألف كل مجموعة من 38 رقم ( غير ما وصل إليه الباحث ) مجموع الأعداد في كل منها : 2185 ويساوي : 345× 19 , ( لاحظ البحث هنا يتناول الأرقام وليس السور ) أو 19 مجموعة كل مجموعة تتألف من 6 أرقام .. مجموع كل منها : 345 .
مثال : 1+2+3+114+113+112 = 345
4+5+6+110+109+108 =345
7+8+9+107+106+105 = 345 ....
لاحظ هنا لا يصلح أن نقول : أن ترتيب السور في هذه المجموعات ترتيب معجز , بدليل أن مجموع أرقام الترتيب 345 في كل مجموعة , لأن هذا المجموع لن يتغير مهما غيرنا في مواقع السور . لإثبات إعجاز الترتيب يجب البحث عن علاقة ما لأعداد الآيات بمواقع الترتيب , يترتب على التدخل فيها اختفاء تلك العلاقة .
وملخص القول هنا : أن البحث المشار إليه هو في العدد وليس في السور ولا يؤخذ منه دليل على أسرار ترتيب سور القرآن