الماء الذي يتحول لتراب وصخر
ثم بدأت بحثي الأول في الكيمياء تحليلاً بسيطا للجبس وحيث كانت الفكرة القديمة تقول بإن الماء يتحول الى صخر وتراب فقد كان الناس يؤمنون بإن الماء إذا تبخر يتحول بعضه الى تراب وحجر وكان هذا يدرس مدة عشرين قرناً فقد كان الناس يأخذون قبابات ماء ويضعونها على النار فيغلي الماء ويتبخر ويبقى منه داخل القبابة مادة داكنة اللون ترابية وكان يعتقد انها لا بد أن تكون قد اتتت من الماء ، واقترضت أحسن ميزان من دار الصك الفرنسية وأخذت القباب غسلتها ونظفتها حتى برق سطحها في أشعة الشمس ثم وزنتها وفي القبابة وضعت مقدار مقيسا من ماء الشرب ثم قطرت الماء في قبابة ثانية نظيفة بعد أن وزنتها زناً دقيقا ووجدت في القبابة الأولى بعد خروج الماء منها مادة ترابية قد علقت بقاعها ووزنت هذه القبابة بالذي بها من تراب وطرحته من وزن القبابة وبهذا جئت بوزن هذا التراب ووزن الماء المقطر في القبابة الثانية فوجدته قد نقص عما كان قد أخذته من ماء أول الأمر وقارنت هذا النقص في الماء بوزن التراب المتبقي بعد تقطيره فوجدتها سواء بعد تقطيره فوجدتها سواء وقد فكرت ان هذه المادة الترابية قد جاءت من الماء ولكن هذه المادة الترابية التي علقت بقاع القبابة ذائبة في ماء الشرب ام انه جزءاً من هذه المادة تحول إلى تراب ، وأخذت قبابة أخرى لها رقبة كرقبة طائر البجع التوت مره وانعكس التواؤها وذلك لأغلي فيها الماء فإذا به يصعد الماء إلى الرقبة ثم يتكثف فعادت قطراته راجعة للقبابه نفسها وسقطت فيها وفي هذه القبابة صببت مقدارا من ماء المطر النقي وقطرته على نار هادئة وظللت مائة يوم كاملة أقطر فيها الماء على نار لا تخبوا فوجدت بعد إيقاف التقطير جسيمات صلبة صغيرة جداً تعلوا الماء المقطر لم ارها من قبل فوزنت القبابة وما احتوت عليه فلم أجد نقصاً في الوزن والماء المقطر ظل ثابت الوزن طول فترة الغليان الطويل ثم وضعت القبابة وحدها في ميزان فوجدتها نقصت وزناً بمقدار وزن المادة الصلبة التي وجدت في القبابة فتوصلت إلى ان المادة الصلبة انما جاءت من القبابة وليس من الماء ولم يكن لدي تفسيرا غير ذلك فالماء لا يمكن ان يتحول إلى تراب وبهذا فسدت خرافة ظلت قائمة متوارثة من قديم الزمان .
نظرية الكالوري
كنت دائما اشعر بإن هناك فكرة تلاحقني كلما قرأت في كتب السابقون فقد قرأت في نظرية الفلوجستون ولكنها لم تدخل عقلي ولم تستقر فيه بينما كانت أوروبا تتشبث بالفلوجستون الذي خالته الخرافة وخالته نظرية ضعيفة لا اساس لها ولا معنى فيها وكان لا بد من وجود تفسير بسيط للاحتراق اكثر منطقاً من الفلوجستون التي جاء بها بشر Becher ..
نعم لقد رفضت هذه النظرية قبل أن أجد لها بديلاً ولكني اعتزمت أن أجد تفسيراً صحيحا لظاهرة الإحتراق ، و سقطت نظرية الفلوجستون سريعاً ودخل مكانها الكالوريك Caloric وتعني الحرارة وقدمت الحرارة على أنها سائل ينتفذ في مسام كل ما عرف من أجسام ولم تكن عندي فكرة واضحة عن الحرارة ولكني قلت بأنه لا يوجد وعاء يحتوي الكالوريك كما يحتوي الماء لذا يتبقى لنا معرفة خواصه عن طريق دراسة أثاره وهي آثار سريعة الفوات ليس من السهل تحقيقها . ولكني حين تجنبت الوقوع في سخافة الفلوجستون وقعت في سخافة أخرى وهي نظرية الكالوري الا انه رغم ذلك شاع قبولها ولكني لم اعتمد عليها في تفسير التغيرات الكيميائية .
كل ما أردته من نظرية الكالوري هو هدم نظرية الفلوجستون وسحقها فحاولت أن أرضي الكيميائين الذين طلبوا بديلاً فجئت بالكالوري الذي لا يضر كثيرا بل كان مسكناً هدأ الناس الى حين ونجىّ الكيمياء من الفلوجستون السامة القاتلة إلا أني عملت في نظرية الاحتراق واعتزمت على إيجاد تفسيرا علميا لها .
ظللت أعمل سنوات كثيرة وأحضرت خير الأجهزة لانجاز التجارب فكان لابد من النجاح أخيراً حيث جلست ذات يوم إلى مكتبي وبدأت بكتابة مذكراتي إلى الأكاديمية الفرنسية وطلبت منهم ان تبقى هذه المذكرات في طي الكتمان فلا تفتح ولا تقرأ حتى تتم تجارب الموضوع فكتبت أقول: (( منذو اسبوع كشفت عن حال الكبريت فوجدته يزيد وزناً عند الاحتراق ووجدت مثل هذا في الفسفور ووجدت ان هذه الزيادة تجيء في الوزن من مقادير مختلفة كبرى من الهواء وأنا أميل بإن أعتقد بأن الزيادة في الوزن التي تلحق بالمعادن عندما تتكلس ترد إلى هذا السبب نفسه فأحسست بأنه يجب أن أضع هذه المذكرة عند كاتب سر الأكاديمية على أن يبقيها سرا عنده حتى استطيع نشر تجاربي )
التوقيع :